كشفت وزارة الاستثمار والتجارة الخارجية عن إجمالي الاستثمارات في المناطق الحرة التسع الموجودة في مصر، والتي قُدرت بنحو ١٤.٧ مليار دولار، والتي جعلت من تلك المناطق أحد أبرز نماذج النجاح في منظومة الاستثمار المصرية، نظرًا لدورها المحوري كمراكز تشغيل وتصدير وربط لوجيستي بين المصانع والموانئ ومناطق التجارة الدولية.
ونشرت وزارة الاستثمار بياناً رسمياً أكدت فيه دور المناطق الحرة في دعم الاقتصاد المصري على المستويين المحلي والعالمي، موضحة أن عدد المشروعات العاملة داخل هذه المناطق يبلغ ١٢٢٤ مشروعاً، برؤوس أموال إجمالية تُقدَّر بنحو ١٤.٧ مليار دولار، وتصل التكاليف الاستثمارية للمشروعات إلى نحو ٣٨.٧ مليار دولار، وتوفر هذه المشروعات ما يقارب ٢٢٨ ألف فرصة عمل، كما تسهم المناطق الحرة، في المتوسط، بنسبة تقترب من ٢٠٪ من صادرات مصر غير البترولية.
وتعد المناطق الحرة من الركائز الأساسية للاقتصاد المصري، وهو ما دفع الدولة إلى تقديم حزمة متكاملة من الحوافز للمستثمرين بهدف تهيئة بيئة عمل محفزة ومشجعة، وتشمل هذه الحوافز تسهيلات جمركية وإجراءات مبسطة للاستيراد والتصدير، إلى جانب بيئة تنظيمية مرنة تُسهِّل إقامة الأنشطة الصناعية والتجميعية والخدمية والتصديرية، مما يجعل هذه المناطق وجهة جاذبة للاستثمارات المحلية والأجنبية على حد سواء.
وقالت الوزارة أن الهدف من هذه السياسات هو تعزيز القدرة التنافسية لمنتجات المصانع العاملة داخل المناطق الحرة، ورفع معدلات التصدير، ودعم اندماج الاقتصاد المصري في سلاسل القيمة العالمية، خاصة وأن المناطق الحرة في مصر موزعة عبر محافظات الجمهورية، وتضم مناطق في الإسكندرية وبورسعيد ودمياط والإسماعيلية والسويس ومدينة نصر وشبين الكوم ومنطقة للإنتاج الإعلامي بالقاهرة ومنطقة قفط بمحافظة قنا.
وكشفت أن هذا التوزع الجغرافي هدفه ربط المحاور الصناعية التقليدية والموانئ والطرق الدولية، مما يدعم العمليات التصديرية ويوفّر فرصاً استثمارية متنوعة من النسيج والصناعات الغذائية إلى الصناعات الهندسية والإلكترونية والمنتجات البلاستيكية والورقية.
وأكد عدد من الخبراء الاقتصاديين أن المناطق الحرة تُسهم في وضع مصر ضمن تصنيف اقتصادي متوازن، لما تمتلكه من مقومات تشغيلية واستراتيجية تجعلها ركيزة أساسية في منظومة الاستثمار الوطني.
وقال الدكتور محمد عبد الهادي، رئيس قسم الاقتصاد بجامعة حلوان ، في تصريح خاص للبورصجية إن الدولة تسير بخطوات استراتيجية متسارعة نحو تنفيذ خطة توسعية غير مسبوقة في منظومة المناطق الحرة، موضحًا أن الحكومة تستهدف إنشاء أربع مناطق حرة جديدة بحلول نهاية عام ٢٠٢٦، في مدن العاشر من رمضان، وأكتوبر الجديدة، وبرج العرب، والعلمين الجديدة، وذلك ضمن رؤية شاملة تهدف إلى تعظيم قدرات مصر التصديرية وجذب مزيد من رؤوس الأموال الأجنبية المباشرة.
وأضاف عبد الهادي أن هذه الخطوة تأتي تتويجًا لنجاح التجربة القائمة التي جعلت من المناطق الحرة الحالية نموذجًا اقتصاديًا متكاملًا، استطاع أن يجمع بين التصنيع والخدمات اللوجستية والتصدير، مشيرًا إلى أن الحكومة تراهن على هذه المناطق الجديدة لتكون جيلًا حديثًا من المناطق الاستثمارية التي تركز على الصناعات المتقدمة مثل الإلكترونيات، والطاقة المتجددة، والتكنولوجيا، والخدمات الرقمية، بما يتماشى مع التحولات العالمية في بنية الاقتصاد الإنتاجي.
وأوضح الخبير الاقتصادي أن رؤية مصر ٢٠٣٠ تضع أهدافًا واضحة تتمثل في مضاعفة حجم الصادرات الصناعية، وزيادة مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي إلى أكثر من ٢٠٪ خلال السنوات المقبلة، مشددًا على أن المناطق الحرة الجديدة تمثل إحدى الأدوات التنفيذية لتحقيق هذا الهدف، لأنها توفر بيئة استثمارية مرنة ومتكاملة، وبنية تحتية قادرة على استيعاب المشروعات الكبرى، مع منظومة حوافز قادرة على جذب المستثمرين من مختلف الأسواق الإقليمية والدولية.
ؤأكد على أن نجاح هذه الخطة سيجعل من مصر مركزًا إقليميًا للتصنيع والخدمات اللوجستية في الشرق الأوسط وإفريقيا، مشيرًا إلى أن الدولة تمضي في مسار واضح نحو اقتصاد متنوع ومستدام يرتكز على الابتكار والتنافسية والقدرة على الاندماج في سلاسل القيمة العالمية.
وفي هذا السياق، أوضح الدكتور محمود علوان، الخبير الاقتصادي، في تصريح خاص للبورصجية، أن منطقة الإسكندرية الحرة تعد من أكثر المناطق أهمية من حيث الخصائص التشغيلية، إذ تمثل مركزاً لوجستياً محورياً بفضل قربها من ميناء الإسكندرية والبنية التحتية البحرية المتكاملة، مضيفاً أن مناطق بورسعيد ودمياط تعد محاور رئيسية للتصدير والاستيراد لارتباطها المباشر بممرات الشحن والعبور الدولية، بينما تستفيد مناطق القناة والإسماعيلية والسويس من موقعها المتميز بالقرب من قناة السويس وما يرتبط بها من أنشطة لوجستية وتجارية.
وأشار علوان إلى أن منطقتي مدينة نصر وشبين الكوم تمتازان بقربهما من المناطق الصناعية الكبرى التي تخدم السوق المحلي، في حين تتخصص منطقة الإنتاج الإعلامي بالقاهرة في خدمات النشر والإنتاج والبث، مؤكداً أن هذا التنوع في المزايا التشغيلية يسهم في توسيع قاعدة المشروعات، ويعزز من تكامل سلاسل القيمة محلياً وإقليمياً، الأمر الذي يمنح الاقتصاد المصري مرونة وتنافسية أعلى في مواجهة التحديات العالمية.